السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال : أيهما أكبر ذنباً ، الإلحاد أم الشرك ؟
الجواب:
الحمد لله
الإلحاد
في المفهوم المعاصر يعني تعطيل الخالق بالإطلاق ، وإنكار وجوده ، وعدم
الاعتراف به سبحانه وتعالى ، وإنما العالم وما فيه قد جاء ـ على حسب زعمهم ـ
بمحض الصدفة ، وهو مذهب غريب مناف للفطرة والعقل والمنطق السليم ، ومناقض
لبدهيات العقل ومسلَّمات الفكر .
أما
الشرك فهو يتضمن الإيمان بالله عز وجل والإقرار به ، ولكن يشمل أيضا
الإيمان بشريك لله في خلقه ، يخلق ، أو يرزق ، أو ينفع ، أو يضر ، وهذا شرك
الربوبية ، أو بشريكٍ يُصرَف له شيء من العبادة محبة وتعظيما ، كما تصرف
لله سبحانه وتعالى ، وهذا شرك العبادة .
وبالتأمل
في هذين الانحرافين نجد أنَّ في كلٍّ منهما مِن الإثم والسوء ما يدلنا على
سوء حالهم ، وكيف أن الله جل جلاله وصفهم بأنهم كالبهائم :
يقول
الله تعالى : ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ
تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا . أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ
أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ
سَبِيلًا ) الفرقان/43-44 .
وقال
سبحانه : ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ
وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا
يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ
كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ )
الأعراف/179 .
ورغم
ذلك كله فالملحد الجاحد المكذِّبُ بوجود الله ورسله واليوم الآخر أعظمُ
كفرًا ، وأشنعُ مقالةً من الذي آمن بالله ، وأقر بالمعاد ، ولكنه أشرك معه
شيئا من خلقه ، فالأولُ معاند مكابر إلى الحد الذي لا يتصوره الفكر ، ولا
تقبله الفطرة ، ومثله يستبيح كلَّ محرَّم ، ويقع في كل معصية ، وينتكس عقله
إلى حد لا يخطر على البال ، ومع ذلك فقد شكك كثير من المتكلمين في ظاهرة
الإلحاد بصدق وجود هذه الظاهرة في قرارة أنفس الملحدين ، وقرروا أن الملحد
إنما يظاهر بإلحاده ، وهو في باطنه مُوقِنٌ بإله واحد .
ولشيخ
الإسلام ابن تيمية الكثير من العبارات التي تدل على أن طائفة الملحدين
المعطِّلين الجاحدين أعظم كفرا من المشركين ، ننقل هنا بعض ما وقفنا عليه
من ذلك :
يقول
رحمه الله : " الكفر عدم الإيمان بالله ورسله ، سواء كان معه تكذيب ، أو
لم يكن معه تكذيب ، بل شك وريب أو إعراض عن هذا كله ، حسدا أو كبرا أو
اتباعا لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة ، وإن كان الكافر المكذب
أعظم كفرا ، وكذلك الجاحد المكذب حسدا مع استيقان صدق الرسل " انتهى .
" مجموع الفتاوى " (12/335) .
ويقول أيضا : " مَن أنكر المعاد مع قوله بحدوث هذا العالم فقد كفَّرَه الله
، فمن أنكره مع قوله بقدم العالم فهو أعظم كفرا عند الله تعالى " انتهى .
" مجموع الفتاوى " (17/291) .
بل قال رحمه الله في معرض إلزام منكري الصفات :
" وإما أن يلتزم التعطيل المحض فيقول : ما ثم وجود واجب ؛ فإن قال بالأول وقال : لا أثبت واحدًا من النقيضين لا الوجود ولا العدم .
قيل
: هب أنك تتكلم بذلك بلسانك ، ولا تعتقد بقلبك واحدًا من الأمرين ، بل
تلتزم الإعراض عن معرفة اللّه وعبادته وذكره ، فلا تذكره قط ، ولا تعبده ،
ولا تدعوه ، ولا ترجوه ، ولا تخافه ، فيكون جحدك له أعظم من جحد إبليس الذي
اعترف به " انتهى .
" مجموع الفتاوى " (5/356) .
ويقول رحمه الله :
" المستكبر الذي لا يقر بالله في الظاهر كفرعون أعظم كفرا منهم – يعني مِن
مشركي العرب - وإبليس الذي يأمر بهذا كله ويحبه ويستكبر عن عبادة ربه
وطاعته أعظم كفرا من هؤلاء ، وإن كان عالما بوجود الله وعظمته ، كما أن
فرعون كان أيضا عالما بوجود الله " انتهى .
" مجموع الفتاوى " (7/633) .
ويقول أيضا :
" قول الفلاسفة - القائلين بقدم العالم وأنه صادر عن موجب بالذات متولد عن
العقول والنفوس الذين يعبدون الكواكب العلوية ويصنعون لها التماثيل السفلية
- : كأرسطو وأتباعه - أعظم كفرا وضلالا من مشركي العرب الذين كانوا يقرون
بأن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام بمشيئته وقدرته ، ولكن
خرقوا له بنين وبنات بغير علم وأشركوا به ما لم ينزل به سلطانا ، وكذلك
المباحية الذين يسقطون الأمر والنهي مطلقا ، ويحتجون بالقضاء والقدر ، أسوأ
حالا من اليهود والنصارى ومشركي العرب ؛ فإن هؤلاء مع كفرهم يقرون بنوع من
الأمر والنهي والوعد والوعيد ولكن كان لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم
يأذن به الله ، بخلاف المباحية المسقطة للشرائع مطلقا ، فإنما يرضون بما
تهواه أنفسهم ، ويغضبون لما تهواه أنفسهم ، لا يرضون لله ، ولا يغضبون لله ،
ولا يحبون لله ، ولا يغضبون لله ، ولا يأمرون بما أمر الله به ، ولا ينهون
عما نهى عنه ؛ إلا إذا كان لهم في ذلك هوى فيفعلونه لأجل هواهم ، لا
عبادةً لمولاهم ؛ ولهذا لا ينكرون ما وقع في الوجود من الكفر والفسوق
والعصيان إلا إذا خالف أغراضهم فينكرونه إنكارا طبيعيا شيطانيا ، لا إنكارا
شرعيا رحمانيا ؛ ولهذا تقترن بهم الشياطين إخوانهم فيمدونهم في الغي ثم لا
يقصرون ، وقد تتمثل لهم الشياطين وتخاطبهم وتعينهم على بعض أهوائهم كما
كانت الشياطين تفعل بالمشركين عباد الأصنام " انتهى .
" مجموع الفتاوى " (8/457-458) .
ويقول
الشيخ ابن باز رحمه الله : " ومن الشرك أن يعبد غير الله عبادة كاملة ,
فإنه يسمى شركا ويسمى كفرا , فمن أعرض عن الله بالكلية ، وجعل عبادته لغير
الله كالأشجار أو الأحجار أو الأصنام أو الجن أو بعض الأموات ، من الذين
يسمونهم بالأولياء ، يعبدهم أو يصلي لهم أو يصوم لهم ، وينسى الله بالكلية :
فهذا أعظم كفرا وأشد شركا , نسأل الله العافية.
وهكذا
من ينكر وجود الله , ويقول : ليس هناك إله والحياة مادة كالشيوعيين
والملاحدة المنكرين لوجود الله هؤلاء أكفر الناس وأضلهم وأعظمهم شركا
وضلالا نسأل الله العافية " انتهى .
" مجموع فتاوى ابن باز " (4/32-33) .
ويقول أيضا رحمه الله :
" والاشتراكيون ذبائحهم محرمة من جنس ذبح المجوس وعبدة الأوثان ، بل
ذبائحهم أشد حرمة ، لكونهم أعظم كفرا بسبب إلحادهم وإنكارهم الباري عز وجل
ورسوله ، إلى غير ذلك من أنواع كفرهم " انتهى .
" مجموع فتاوى ابن باز " (23/30) .
والله أعلم .